تعد العلاقة بين الشکل والمضمون في العمل الفني أساس البعد الجمالي للصياغة والمعالجة حيث أن المضمون باعثاً لتحقيق الأفکار التشکيلية وتعميق الوسائل الابتکارية للتقنية ولما کانت النظرية والتطبيق تمثل سمة إبداعية في حداثة الفنون التشکيلية فإن الحلم الذي شغل خيال الفنان هو تأکيد الحرکة بأبعادها في العمل الفني بما يتناسب وظهور الآلة والصناعة وأصبحت الطاقة هي المسألة الأولى التي تتشکل من خلالها مفردات الشکل وقيمه الإبداعية.
مثلت طبيعة العصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين أيدلوجية(*) واسعة التأثير على المکونات العلمية والفنية والاجتماعية فقد تفاعل الفن التشکيلي مع التطور الفکري والمتغيرات الاجتماعية والنظرية العلمية التي أفرزت الآلة بکل أنواعها وبالتالي تبوأ مفهوم الطاقة صدارة هذا النقاش ورد فعل تلک المحرکات وتشکلت مضامين الإبداعي التشکيلي في حداثتها إلى البحث عن الحرکة وأصبح التعبير "الديناميکي" و "الاستاتيکي" هدفا ينقل اللوحة إلى کائن حي يتحرک قانعاً الأورال البصري بتشبع جمالي في الصياغة والمعالجة.
يهدف البحث إلى دراسة عنصر الطاقة کعامل هام يمثل مضمون الشکل وأثره الجمالي على مفردات التشکيل وهو يمثل أيضاً محوراً هاماً من سمات العصر الحديث کمطلب استراتيجي للنمو الاقتصادي لدول وشعوب العالم.
يعتمد الجزء الأول على تقديم التعريف العلمي لأنواع الطاقة وعلاقتها بالعملية الإبداعية وأيضاً علاقة الطاقة بالمکان والزمان.
ويناقش الجزء الثاني المعالجات التشکيلية من خلال النظرية العملية والعلمية عند المدارس الفنية للإنطباعية والمستقبلية وفن الخداع البصري.
ويتعرض البحث لتجربة الفنان والمصوريين التشکليين الذين عاشوا مرحلة الاغتراب والاستشراق الفني في تجربتهم الإبداعية.
Full Text
v إشکالیة الطاقة فی التجربة التشکیلیة
تعریف الطاقة:
تعنی کلمة الطاقة "Energy" ذلک المتغیر المستمر بین ثنائیة (النور والظلام) فی حرکة ثنائیة حکیمة ومتوازیة – حرکة هندسیة – تصبح علاقة متکاملة وینتج عنها خلف جدید (تکوین جدید – إنشاء جدید) فی الزمان والمکان، فبدأ الاتساع فی المعنى لیشمل (الطاقة الحیویة Bio Energy) موضحاً الطاقة الحسیة والفکریة والروحیة ولکن لم یکن هناک تعریف فیزیائی الحسیة والفکریة والروحیة ولکن لم یکن هناک تعریف فیزیائی یعرف جوهر الطاقة أو یؤکد أن (الإحساس والفکر) مثلاً بقدرتهما على التأثیر – أو أنهما من أشکال من الطاقة.
على هذا الأساس تشکلت مضامین متعددة یمکن الأخذ بها فی المعاییر النقدیة فی العمل الفنی کالآتی:
(1) طاقة روحیة:
هی التی نشأت مع عقیدة الإنسان وإیمانه الخاص بطقوسه منذ الحضارات الأولى وتهذبت فی مضمونها مع الرسالات السماویة وبعد ذلک فبدت فنونها تفوح بعطور المقدسات الدینیة وتولد منها المعنى الروحی کما یبدو فی الفنون المسیحیة والفنون الإسلامیة یحکمها یقین مطلق بالکون ومخلوقاته کما یعکس التجرید الإسلامی ذلک النقاء المطلق فی زخارف الارابیسک والخطوط والأشکال المقدسة للکعبة وأماکن العبادة حتى حققت المفاهیم الصوفیة وهی تشکل الطاقة الروحیة الکامنة للفئات ومصدراً لإبداعه.
ج
(2) الطاقة المادیة:
وخلالها یقدم الإبداع التشکیلی من المفردات والصیاغة المعادل لنظریة وقوانین الطبیعة بمفاهیم الحرکة والسکون والجاذبیة الأرضیة وقوانین خطوط الأرض والأفق والتأثیرات المغناطیسیة والملامس المرئیة للأشیاء المادیة وهی التی تشکلت منها مدارس الحداثة فی التجریب والتشکیل والتوظیف التطبیقی للفن وکانت تحکمها قواعد اکتشاف الضوء([1]) واللون.
(3) الطاقة الکاملة:
وهی بشکل اشمل تعنی التلقائیة الکونیة الذی یحکمها نظام حقی یشعر به الإنسان مرتبط بإحساسه الروحی الذی یمنحه (الله) عز وجل للإنسان وتبدو فی الأحداث والمواقف القدریة والتی تؤثر على إحساسه السیکلوجی وقد ترتبط بالموهبة والقدرة الخلاقة للإبداع وقد تظهر فی تفاعلاته الکیمیائیة داخل جسم الإنسان وتتعلق بالصحة.
2- طاقة العملیة الإبداعیة
تمثل العملیة الإبداعیة محوراً هاماً فی التحلیل النقدی وتفسیر جوانب الإبداع الجمالی لدى الفنان وطبیعة العمل الفنی. حیث أن عنصر الطاقة یستلزم من الفئات کیفیة توزیع جهدها عبر مراحلها لیترکن بخبرته ومهارته من السیطرة على إتمام العمل الفنی. فهی تمثل المناشط المتعددة لدیه من التذکر والتخیل واستحضار الإحساس المعادل للموضوع وتأخذ هذه الاعتباریة شکلین أساسیین یمثلان الطاقة الایجابیة والسلبیة.
لذلک أفردت الدراسات النقدیة أبعاد مراحل العملیة الإبداعیة لتنمیة ثقافة وخبرة الفنان ویمکن من خلالها تحدید قدر الطاقة وطبیعة نشاطها الذهنیة والنفسیة على النحو التالی:
عملیات الإحاطة أو المراقبة الإبداعیة: تمثل إدراک الموضوع بشکل تنظیمه، تحلیله، ترکیبه فی هیئة جدیدة وعلاقته بالموضوعات الأخرى.
عملیات التقاط الأفکار: تلک التی عبر عنها الفنان فان جوخ فی خطاباته قائلاً "فی الحقیقة إننی أکون غالباً فی حالة شدیدة من التعاسة لکن یظل هناک بداخلی تناغم وموسیقى هادئة نقیة ففی أفقر الأکواخ وفی اشد الأماکن قذارة أرى اللوحات والصور.. وشیئاً فشیئاً تفقد أشیاء کثیرة أهمیتها وکلما زاد عدد الأشیاء التی أتخلص منها صارت عینی أسرع فی اقتناص الأشیاء القابلة للتصور.
عملیات التحضیر: وهی تمثل طاقة الفئات الذهنیة فی عمل الدراسات التخطیطیة "الاسکتشات" لاختیار أفضل قدرة على التشکیل بین المساحات والخطوط والأشکال والألوان وأهمیة الطاقة فی جهدها الکبیر حینذاک تبدو فی الترکیز الشدید الذی یبنی على أساسه العمل الفنی کذلک یعلب الخیال دوراً هائلاً حث یعکس تمیز الشخصیة الفنیة وتقررها فی انعکاس الموقف الخیالی الذی لم یؤکد احد فیه من قبله([2]).
یضاف إلى ذلک تلک الطاقة الخاصة بالفنان بتجاربه الخاصة الکامنة التی تعیش معه على المدى من الأحداث والذکریات والتی تحدد دافعه التعبیری الأصلی فی الحیاة وهذه الطاقة قد تؤثر على سلوکه وتربط بعوامل نفسیة وصحیة تحدد مزاجه الإبداعی.
ویمکن تحدید الطاقة بالنسبة للفنان التشکیلی فی التجربة الإبداعیة إلى ثلاث اتجاهات یراها الباحث.
طاقة ترتبط بکونیة الشخص وترتبط بالمحصلة الثقافیة.
طاقة ترتبط بإعداد العمل وعرضه وثقله من آلیات الحرکة.
طاقة إبداعیة ترتبط بالإبداع التشکیلی وقضایاه النقدیة وهی عملیة فی المقام الأول.
3- علاقة الزمان والمکان بطاقة فعالیات الطاقة
من الأهمیة عدم إغفال عنصری الزمان والمکان فی التحلیل النقدی للإبداع حیث لهما تأثیر کبیر فی حجم الطاقة المتفاعلة بین الفئات وهذین الاعتبارین.
وتتمثل الطاقة الخارجیة المستمدة من البیئة الخارجیة فی عوامل المناخ وطبیعة التکوین الجغرافی لها حیث أن المعادل التشکیلی لهذه المتغیرات یتمثل فی الشحنة الانفعالیة ومادة الوسیط اللوغی من عناصر الضوء والضوء والهواء والحرارة.
وبالتالی تعد مرونة الإبداع عند الفنان فی قدر التکیف مع اختلاف بیئة المحلیة أو البیئة البعیدة عن نشأته کما یبدو فی حالات السفر والرحلات البعیدة فی نطاق ظاهرة الاغتراب والاستشراق وهناک أمثلة عدیدة فی الحداثة تؤکد اثر المکان والزمان کطاقة فاعلة فی الإبداع مثال.
أولاً: طاقة الزمن والمکان عند المصورین الطبیعیین:
تمیزت طاقة التشکیل عند مصوری الطبیعة الانجلیز بسمات تشکیلیة فی المنظر من حیث الإحساس الضبابی فی رسم غابات (مؤنتین) و (کبارابیزون) فبدت لدیهم الغیوم الشاحبة أحیاناً والألوان الباردة أما مصوری التأثیریة الجدیدة فقد وضعوا حسابات الزمن والضوء عاملاً هام فی تشکیل طاقة اللون مما تتطلب رسم المنظر أکثر من (16) مرة من اللحظات المتعاقبة کل وحدة زمنیة منها تتشکل بألوان مختلفة فی رسوماته للحقول وقت الظهیرة ومقاهی المساء دلیلاً باقیاً على شحنة الطاقة اللونیة للمکان وتبدو ألوانه الصفراء المشمسة وزرقة السماء المسائیة تعکس ذلک الجمال.
ثانیاً: ظاهرة الاغتراب والاستشراق مصدر لطاقة الإبداع:
طاقة التفاعل مع مجتمعات جدیدة تنقل الفنان إلى الاکتشاف والابتکار وتعمق البحث عن منابع جدیدة تزید من فعالیة طاقته الفکریة والمهاریة، فلقد اکتسب (جوهان) فی رحلته إلى جزیرة (تاهیتی) طاقة جدیدة داخلیة وأخرى خارجیة وکنسبة مع تفاعله الجدید فی البیئة والمجتمع له اثر واضح فی ألوانه وأشکاله وخصوصیة مناخه الفنی.
الطاقة الکهرومغناطیسیة:
لقد أوجد التأمل العلمی العمیق فی الحداثة تحلیلاً بصریاً لظواهر الطبیعة وحقیقتها الکونیة ومع تحلیل علوم الفیزیقا والضوء والحرکة أصبح لهذه المکونات طاقة تشکیلیة بدأت بشک کبیر عند الانطباعیین فانعکست مفاهیم الطاقة خلال تناولهم للمساحة والکتلة والفراغ فأصبح للهواء والضوء معالجات تقنیة تعکس تلک الموجات السابحة فی الفضاء الذی یحتوی على موجات ضوئیة وأتربة وغازات وحرارة وجمیعها مکونات للطاقة حتى عبر کلود مونیة C.Monet قائلاً "إننی أرید أن ارسم الهواء".
لذا أصبح للسطح إشکالیة تقنیة تعادل تلک المفاهیم وتغیرت طریقة الأداء وصیاغة البناء للعمل الفنی وأصبح للتأثیر الملمس رؤیة بعدیة تحقق الخشونة والنعومة فتولد المعنى الکهرومغناطیسی لتلک التأثیرات.
الکهرومغناطیسیة هی إحدى الخواص التی تتمیز بها الموجات الضوئیة بمعنى (نطاق الإشعاع(*) أو الطیف الکهرطیسی) Radiation band or Electromagmeatic Spectrum والتی أشار إلیها البیان التنقیطی حیث عمق "سواره" Seurat مفهومها العلمی بدراستها من أبحاث "جیمس کلارک" ماکسویل G.C. Maximel التی توضح: أن الموجات الضوئیة هی مجموعات من المجالات المغناطیسیة المتناوبة التی تتدفق خلال الفضاء".
وتبدو القیمة الجمالیة لتلک الطاقة واضحة فی أسلوب الأداء التنقیطی الذی ینثر ملایین النقاط الملونة على سطح العمل ومساحة الشکل ما بین الکتلة والفراغ فتحقق بتجاورها وتکاملها ذلک الإحساس البصری لطاقة الشکل وخشونة ملمسه. ومع اختلاف خامة المعالجة والوسیط المستخدم أمکن تحقیق هذا الإحساس بخامة الفحم (قلم کونتیه) Conte pencil کما فی شکل (5) فتبدو تلک الشحنات الخشنة متجددة بصریاً.
v الموجات الضوئیة واللونیة:
یتکون الطیف المرئی من موجات کهرومغناطیسیة ذلک الذی یؤثر فی العین فتحس بالرؤیة، ویبدأ طیف الضوء المرئی عند اللون الأحمر وینتهی عند اللون البنفسجی. ونظراً لان حساسیة العین تختلف باختلاف طول موجات الأشعة الضوئیة المستقبلة فهی قادرة على التمییز بین الألوان المختلفة. وتکون حساسیة العین اکبر ما یمکن عند الطول الموجی الذی یقع بین الأخضر والأصفر. وتقاس أطوال الموجات الضوئیة بوحدات صغیرة جدا مثل المیکرومتر والنانومتر والانجستروم.
یمکن ملاحظة اختلاف الطول الموجی بالعین ثم یترجم داخل العقل وذلک من اللون الأحمر صاحب أطول موجة حیث أن طوله الموجی حوالی 700 نانومتر([3])، إلى البنفسجی ذو اقصر طول موجی، حیث أن طوله الموجی حوالی 400 نانومتر، وبینهم تردد مختلف الألوان کالبرتقال، والأخضر، والأزرق.
وبذلک التردد المختلف للون لا ترى العین الألوان دفعة واحدة وإنما تراها بشکل تدریجی حسب الطول الموجی لکل لون. حیث یفصل بین کل لون وآخر وحدة زمنیة من النانومتر، وترتکز الدراسة هنا على رصد القیمة العددیة لهذا الفصل الزمنی، إذ هو عنصر أساسی فی حاسة التذوق اللونی التی ترى الألوان المتجاورة بصورة جمعیة لا بشکل أحادی. وبما إن القیمة الجمالیة للون تتوقف إلى حد بعید على ماهیة اللون المجاور فذلک یشیر إلى علاقة الطول الموجی المرتبط بزمن "قیمة عددیة" فی عملیة التوافق بین الألوان.
ودراسة القیمة العددیة التی تؤثر فی حاسة التذوق للون یمکن أن یفسح مجالا أوسع للفنان والمتلقی لإنشاء نظم لونی أکثر توافقا یعتمد على البحث والتجربة والاستنتاج.
Ø أطوال الموجات اللونیة والطیف الکهرومغناطیسی
الطیف الکهرومغناطیسی أو الأشعة الکهرومغناطیسیة أو الأمواج الکهرومغناطیسیة کلها تحمل نفس المعنى الفیزیائی.
وحین التحدث عن جزء خاص من هذا الطیف الکهرومغناطیسی مثل الضوء المرئی والمیاکروویف وأشعة اکس وأشعة جاما وموجات التلیفزیون والرادیو کلها عبارة أشعة تعرف باسم الأشعة الکهرومغناطیسیة Electromagnetic Radiation وکلها لها نفس الخصائص ولکنها تختلف فی الطول الموجی Wavelength تتکون الأشعة الکهرومغناطیسیة من تذبذب الشحنات المکونة للذرة والذی یؤدی إلى انبعاث الطیف الکهرومغناطیسی والذی یقوم بدور الزنبرک هو درجة الحرارة التی تمد الشحنات بالطاقة أو أی نوع من أنواع الإثارة Excitation مثل التصادمات وغیره.
ویعتمد الطول الموجی للأشعة الکهرومغناطیسیة على درجة إثارة الشحنة ومن هنا نجد أن الطیف الکهرومغناطیسی له مدى واسع للتمیز بین الأطوال الموجبة، یعتمد على معد التردد "Frequency" ذلک الذی یتناسب عکسیا مع الطول الموجی فکلما زاد الطول الموجی قل معد التردد فمثلا الأحمر هو اقل تردد.
الأشعة الکهرومغناطیسیة لها طول موجی وتردد یحدد خصائصها وترتبط سرعة الأشعة الکهرومغناطیسیة مع التردد والطول الموجی.
Ø دینامیة النظریة النسبیة:
تعد نظریة النسبیة هی الأساس العلمی للحرکة المستقبلیة Futuriam فی الفن التشکیلی(*) بهدف وصول العمل الفنی إلى قیمة مفعمة باللون ناضحاً بالضوء.. صاخباً، بل متفجراً أو بمعنى أن یکون العمل الفنی (تجریدیاً، دینامیکیا، مستقلاً بمعنى ألا یشبه شیئاً إلا ذاته) وتعنی المستقبلیة اتجاه فی التعبیر الفنی عن الطاقة الدینامیة للعصر الحدیث بأشکال ومکونات تتمیز بانطلاق الحرکة والتفجر، فهی فی موقع متوسط بین الفن البصری التأثیری وفن الخداع البصری ونتجت عن رؤیة الاتجاه التکعیبی.
وتحقیقاً لمعنى الطاقة فی أنها "القدرة على إحداث فعل أو تأثیر "فإن البیان المستقبلی عام 19891 أوضح "أن الحرکة التی لا تنوی إظهارها على اللوحة لن تکون الآن مجرد لحظة مثبتة للحرکة الشاملة بل ستکون ببساطة الإحساس الدینامیکی نفسه أن کل شئ یتحرک فی الحقیقة ویتحول بسرعة ونظراً لان انعکاس الصورة یتم فی شبکیة العین فإن الأشیاء فی حالة الحرکة تتجمع ویتغیر شکلها عند تتابعها کاهتزازات متلاحقة فی المدى الذی تمضی فیه".
کما تؤکد جذور الرؤیة العلمیة عند "هیرقلیدس" أن الحرکة تشکل لنا أکثر الجوانب الممیزة للکون ویتصل بهذا العلم فرعی "الدینامیکا" و "الاستاتیکا" بمعنى الحرکة والسکون فی حقل الإنسان المرئی أو فی المدرکات وعن طریق هذا المدرکات تنشأ المحسوسات"([4]).
استمد مصوری المستقبلیة من المضمون العلمی للطاقة منهجاً عقلانیاً بمعادل تشکیلی Equivalent وأفکار جمالیة ارتبطت بعلوم الفیزیقا والریاضة – مما اوجد أسلوب (التخلیق) حیث اعتمد عملیة التحول الشکلی من التولیف والتحویر واستعارة القیم الفنیة واتجه إبداعه إلى الجمع بین أسالیب متعددة فی الصیاغة والتقنیة بخامات متنوعة لتحقیق الإحساس الدینامی للطاقة محققة ما یسمى بـ"الهیروغلیفیة الدینامیکیة Dynamic Hieroglyphic – والتمدد المرکزی للضوء centrifugal expansion of light ومفهوم الامتداد الکروی فی الفضاء spherical expansion in space وفی النهایة یتحقق الإحساس بالتوتر والتحطیم.
ویستخلص الناقد الفنی المعاصر "أرامسون" Aramason الدلالات السابقة من خلال ثلاث قیم تشکیلیة هی "المسخ" metamorphosis وتزامن الرؤیة simultaneity of vision([5]).
هذا بالإضافة إلى التوحد بین البیئة وبین الشئ المرسوم وتبدو القیمة الجمالیة فی الإدراک و"حرکة المشاهد" أن الشکل جعل المشاهد فی موضع الوسط بالنسبة لجمال الرؤیة لاختفاء نقطة النظر الثابتة.
وکذلک فکرة الإحساس بتحریک الشکل "الرسوم المتحرکة" کما فی التصویر السینمائی وبالتالی فهی تضیف البعد الرابع الحرکی والزمنی الملاحق به.
v نظریة الخداع البصری
· شکلت نظریة الخداع البصری Optical art (*) مضموناً علمیاً وشکلاً من أشکال الطاقة ذات التأثیر الفسیولوجی على مجال الرؤیة البصریة للمتلقی مؤکدة ذلک التفسیر الذی یشیر إلیه کتاب "علم المنظور" لـ "فلوکون وتاتول" Flacon wtaton" – "أن الرؤیة البصریة هی فی الأصل عملیة متعاقبة نفسانیة متأثرة بقوة من قبل التجارب السابقة الخاصة بالمراقب وحتى من قبل المقتضیات الاجتماعیة لا یرى الإنسان بالطریقة([6]) ذاتها بشکل دائم، إن الرؤیة البصریة تابعة للفکر وتکتسب اکتساباً.
· وتقوم فکرة التشکیل فی الفن البصری على أساس المزاوجة بین الخطوط والألوان الأقرب إلى التصمیم الهندسی شکل (7)، حیث تعتمد على طاقة الخط واللون والنقطة الضوء بمنهج النظام فی العمل الفنی کمصدر جمالی محققاً بعدین أساسیین فی شکل طاقة العمل بإحساسه الدینامیکی حیث یظل فی حرکة دائمة داخل العین والطاقة المنعکسة على فسیولوجیة الرؤیة.
· لقد سعى فیکتور فازاریللی V,Vasarelly مؤسس هذا الفن إلى التجرید المطلق فی أصوله الجمالیة بإیجاد علاقة مستدیمة بنی الشکل والمشاهد بفعل الجاذبیة اللا إرادیة للقیم الفنیة، وکان الهدف هو إحداث تربیة أو صدمة بصریة تثیر إحساسات جدیدة وتبرز الإمکانیات البصریة والدمجیة لکل فرد.
لقد تحقق ذلک بهدف إبراز طاقة العمل والمشاهد فی أن واحد فیوضح "ادوارد لوس سمیث" E. Lucie Smith فی کتابة "ما بعد الحداثة" فی تصنیفاته البصریة للشکل "هناک أعمالا فنیة تبدو أنها تتحرک أو تتغیر على الرغم من سکونها فی الواقع، قد تکون هذه الأعمال ببعدین أو ثلاثة – لقد رکز "فازایللی" مثلاً على الرسوم – على أعمال مکونة فی مستویات منفصلة وعلى شبکات وأشیاء ذات أبعاد ثلاثة إن الأعمال الساکنة تعتمد فی حرکتها على فعل الضوء وعلى ظاهرة بصریة معروفة مثل میل العین إلى إنتاج صور لاحقة حین تواجه بتناقضات وهاجة جداً للأسود والأبیض أو بفعل تجاور تدرجات لونیة معینة"([7]) کما فی شکل (6).
وعند مناقشتنا لمسألة الطاقة فی العمل الفنی هنا نلاحظ أن الفن الحرکی یختلف عن الفن البصری من حیث تطور طبیعة الوسیط التقنی المرتبط بالتشغیل المیکانیکی (استخدام أضویة ممغنطة أو ماء أحیاناً کما فی أعمال الکسندر کولدر A, Culder.
إن اعتماد الصیاغة فی الفن البصری على وسائل ابتکاریه فی العملیة الإبداعیة ومحاولة إضافة بنائیات لسطح العمل الفنی واتجاه التصویر النظامی Systenic painting لتأکید جمالیات الحس الزخرفی شکل فی مجموعة أثرا لهذه الطاقة بأبعادها فی تجربة الفن البصری.
وفیما یلی عرض لنماذج من المعالجات التشکیلیة لطاقة الإبداع الخطی وطاقة الملمس السطحی والطاقة اللونیة مع الصور التوضیحیة.
شکل "12" رسم توضیحی للموجات الکهرومغناطیسیة
شکل " 6" علی الیمین : الطیف الکــــهرومغناطیســـی المرئی
شکل " 7" اعلی الیسار: رسم بیانی یوضح أطوال الموجات اللونیة
شکل "8" مخطط یوضح الانتقالات اللونیة من منطقة التشبع الخالصة
فی الأعلى إلی التدرج القاتم والفاتح أسفل الیسار والیمین
v نتائج البحث:
1- ابتکار وسائل تکنیکیة جدیدة تحقق الإبهام الحرکی من خلال طاقة عناصر التشکیل الخطی أو الملمس أو اللون.
2- تعمیق العملیة الإبداعیة لدى الفنان أو المتلقی باعتباریه محاول التفاعل بین التجریب وأسلوب التشکیل التی تحقق الطاقة فی العمل الفنی.
3- الاعتراف بالنظریة العلمیة فی المضمون من حیث التأثیر الفسیولوجی والسیکولوجی فی مجال الرؤیة البصریة للطاقة الکامنة فی اللوحة الفنیة.
4- الارتباط بین العمل الفنی فی التصویر والفن الحرکی الذی ارتبط بالتطبیق من خلال الرسوم المتحرکة والسینما لتحقیق البعد الرابع (الحرکی) والبعد الخامس (الزمنی)
v توصیات البحث:
- الترکیز فی مناهج التصویر على استخلاص الطاقة الکامنة فی العمل الفنی سواء کانت إیهامیة أو حقیقیة.
- تتبع النظریات العلمیة الحدیثة فی تشکیلها لمضامین التصویر المعاصر.
- الاهتمام باعتباریة العوامل المؤثرة فی تجهیز وعرض وتوثیق العمل الفنی وبما یتناسب مع العرض المتحفی.
([1]) د. محمد عبدالله الجمل: محاضرات کلیة الفنون التطبیقیة – قسم النسیج – جامعة حلوان – 2017.
([2]) شاکر عبدالحمید: العملیة الإبداعیة فی فن التصویر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع (القاهرة)، ط1997.
(*( Pierre Courthion: Seurat, thams and Hudson, London, 1989, P16.
([3]) نانومتر Nanometers: وحدة للطول، وهی وحدة قیاس تساوی واحد على بلیون من المتر.
(*) بدأ ظهورها فی ایطالیا 1910 ثورة على الأسالیب التقلیدیة وتمرداً على القیم.
([4]) جمال عبدالحلیم احمد سالم: رسالة دکتوراه تخصص نحت بعنوان "الحرکة ودورها فی العلاقة بین النحت والحیاة"، جامعة حلوان، کلیة الفنون الجمیلة بالقاهرة، عام 1988، ص27.
([5]) H.H.Armason: A history of Modern art, thomes and Hudson, London, 1911, P222.
(*) هو مصطلح یطلق على حرکة جدیدة فی التصویر حیث وصلت إلى قمة شهرتها فیما بین عامی (1965-1968) واصله مصطلح إغریقی Optike lekfine وترجمتها "فن الرؤیة البصریة".
([6]) فارس متری ضاهر: الضوء واللون، دار التعلم بیروت – لبنان – طبعة أولى، 1979.
([7]) إدوارد لوس سمیث: ما بعد الحداثة، ترجمة فخری خلیل، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، ط أولى، 1995، ص151.
References
أولا: المراجع العربیة:
1- د. أحمد حمد زقزوق ط1993.: ما وراء الفن، الهیئة المصریة العامة للکتاب.
2- حسن محمد حسن: مذاهب الفن المعاصر، دار الفکر العربی – القاهرة – بدون تاریخ نشر.
3- شاکر عبدالحمید ط1997.: العملیة الإبداعیة فی فن التصویر، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع (القاهرة) – عبده غریب.
4- م مالک حسین ط أولى، 2004: الإبداع فی رحلة الفائدة والإمتاع، دار علاء الدین – دمشق/ سوریا للنشر والتوزیع والترجمة .
المراجع العربیة المترجمة :
5- أکیللی بونیوتوأولیفا ط2000: الفن الحدیث (الفن حتى سنة 2000) – م الشیخ المرصفی الزمالک ترجمة أمانی فوزی حبشی: القاهرة المعهد الثقافی الایطالی بالقاهرة.
6- ادوارد لوس سمیث ط أولى 1995: ما بعد الحداثة، ترجمة فخری خلیل، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر بیروت،.
7- هربرت رید ط1998: معنى الفن، الهیئة المصریة العامة للکتاب، مکتبة الأسرة، ترجمة سامی خشبة،.
الدراسات المرتبطة:
8- جمال عبدالحلیم احمد عام 1988.: رسالة دکتوراه غیر منشورة بعنوان "الحرکة ودورها فی العلاقة بین النحت والحیاة، جامعة حلوان، کلیة الفنون الجمیلة بالقاهرة.
9- احمد إبراهیم احمد2001: رسالة دکتوراه غیر منشورة "أثر التنقیطیة على تطور المعالجات التشکیلیة عند بونار وسیفیرینی وفازاریللی، کلیة الفنون الجمیلة، جامعة حلوان .
10- د. محمد عبدالله الجمل2016: محاضرات فی علم الطاقة، قسم النسیج – الفنون التطبیقیة – جامعة حلوان،.
11- کوثر محمد نویر1991: بحث منشور بعنوان "تطور الفن البصری عبر التاریخ"، علوم وفنون (دراسات وبحوث) – جامعة حلوان.
12- عاصم عبدالفتاح 2013: بحث منشور بعنوان "أطوال الموجات اللونیة وعلاقتها بالتناغم فی التصویر"، المؤتمر الدولی الثانی بجامعة المنیا .
ثانیاً: المراجع الأجنبیة:
13- Marcel Joray1974: Vasarely, Edition Du Griffon Neuchatel, Switzerland,.
14- Pontus Hulten1987: Futurism & futurisms, published by Thames and Hudson, London,.
15- Pierre Courthion1989: Seurat, Pulelished day thames and Hudson, London,.
16- H.H.Armason1977: A history of Modern Art, Thanes and Hudson, London, , P222.